- المقالات
- الاستدامة
- الاستدامة العامة
الاستثمار المستدام
ما سبب كون جائحة كورونا COVID-19 عاملاً محفزاً للاستثمار المستدام، صابرين الرحمن، الرئيس الإقليمي لشؤون الاستدامة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا
في وقت سابق من هذا العام، وقبل أن تؤدي جائحة كورونا (COVID-19) إلى دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود، كان مشهد الاستثمار المستدام يشهد تغيراً سريعاً. مدفوعاً في ذلك بسنوات عديدة من التوقعات المجتمعية المتغيرة، حيث كان المستثمرون يولون أهمية متزايدة على التأثير الاجتماعي والبيئي الأوسع للشركات وشبكات التوريد الدولية، ويفكرون في كسب المزيد من الشركاء وفي القيام باستثمارات استراتيجية موجهة على المدى الطويل.
وتأتي الاستجابة العالمية لتبعات جائحة كورونا COVID-19 ، في كثير من النواحي، كأوضح تعبير عن هذا النهج الموجه لحل مشكلة تواجهها البشرية جمعاء. ويمكن أن يكون حافزاً لزيادة التفكير في الاستثمارات الموجهة واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها وتنفيذها. لذا فقد تكون جائحة كورونا COVID-19 هي المحرك الدافع للانتقال بالتمويل المستدام إلى المستوى التالي.
تكيف نماذج الأعمال
لقد بدأنا نشهد بالفعل تكيف نماذج الأعمال مع مجالات الاهتمام الفورية، بالإضافة إلى إعادة تموضع هذه الاعمال مع ما سيكون عليه "الوضع الطبيعي الجديد". وكان قطاع التعليم من ضمن القطاعات التي توجب عليها التكيف بشكل جذري مع التغييرات في نموذج عملها الذي تم اعتماده منذ قرون عدة. ولقد تعين على هذا القطاع أن يتطور بشكل فوري بسبب الضغوطات الكبيرة من الآباء والطلاب. إلا أن تجاوب القطاع مع هذه التغيرات والضغوط كان مثيراً للإعجاب، خاصةَ عند التفكير في طول المدة التي عمل فيها وفقاً لنموذج قابل للتكرار بسهولة، مع القليل من الاضطرابات. ولسوف يشمل مستقبل هذا القطاع جميع المهارات الفردية والمهنية إلى جانب المواد التعليمية الأساسية مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ولطالما كانت المهارات المستقبلية، بما في ذلك تعزيز المعرفة وتطوير المهارات والإمكانات المالية، محور تركيز رئيسي بالنسبة لبنك HSBC ، حيث قمنا بتوفير الدعم اللازم للمؤسسات التعليمية الرائدة والوزارات الحكومية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
ومن القطاعات المجتمعية الأخرى التي واجهت تحديات التكيف الفوري مع المتغيرات كان قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة (SME) . وغالباً ما يمثل رواد الأعمال والشركات في هذا القطاع التعريف الدقيق للشركات التي تركز على المجتمع، مع تأثر المجتمعات بقيود حركة الأفراد وإغلاق الأسواق، وجدوا أنفسهم بحاجة ماسة إلى تطوير نماذج أعمالهم. ولا يتطلب القيام بذلك أي دعم مالي أو ولاء العملاء ومراعاتهم فحسب، بل يتطلب أيضاً الاستعداد لتقبل فكرة أنه قد تكون هناك طرق مختلفة لمزاولة الأعمال لتلبية احتياجات العملاء. ولقد ساهمت حالة تقييد حركة الأفراد وإغلاق الأسواق على المستوى العالمي في تشكيل صيغة تلك المناقشات – التي لطالما كان بنك HSBC جزءاً منها منذ فترة طويلة.
ولقد كانت استجابتنا في هذه المنطقة من خلال زيادة الدعم لبرامجنا الموجهة لرواد الأعمال، مثل مسرع التأثير الاجتماعي (C3) وبرنامج التوجيه والإرشاد TiE Mentorship ، من خلال دعم التحول إلى الجلسات التدريبية الافتراضية. ولقد سمح لنا هذا التطور بزيادة عدد المشاركين لدينا وكذلك الدعم الفوري المباشر الذي نقدمه إلى رواد الأعمال– حتى وإن كان ذلك عن طريق الاتصال عبر الفيديو. كما قمنا بتوفير جلسات تدريبية مخصصة حول كيفية إدارة التدفقات النقدية في مثل هذه الظروف الصعبة، وذلك للمساعدة في منح رواد الأعمال أفضل توجيه وإرشاد ممكن لرسم المسار الصحيح لمستقبل أعمالهم.
السندات "الاجتماعية"
لا شك أن الظرف الحالي الذي نعيشه في كل انحاء العالم يتطلب اعتماد نهج جديد على جميع المستويات الاقتصادية. إذ تحتاج الحكومات والهيئات الدولية والمؤسسات إلى البحث عن طرق مبتكرة لمواجهة الوضع والحد من تأثيراته، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الميزانيات والموازنات. ومن ضمن الحلول التي تكتسب قوة جذب كبيرة في السوق هو استخدام السندات الخضراء او ما يسمى "السندات الإجتماعية"، مع التركيز على الاستجابة الاستباقية للحد من تبعات الجائحة. ولقد كان بنك HSBC من السباقين في تقديم الدعم من خلال عملية تمويل لدعم وتحفيز النشاط الاقتصادي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا COVID-19 خارج مناطق آسيا وأوروبا.
وتعد الإصدارات الأولية من سندات الدعم لمواجهة تداعيات جائحة كورونا COVID-19 التي شاهدناها في السوق حتى الآن دليلاً على الحاجة إلى السندات الخضراء والاجتماعية والتمويل المستدام على المستوى العالمي. ولقد تم حتى الآن إصدار سندات بقيمة 42.4 مليار دولار أمريكي وذلك استجابة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا COVID-19 ، منها 6.7 مليار دولار أمريكي على شكل سندات اجتماعية.
وفي حين أن الكثير مما ينتظرنا ما زال مجهولاً، إلا أنه يمكن أن نكون على يقين من أن المؤسسات الأكثر مرونةً واستباقية هي فقط التي ستتمكن من الاستمرار في بيئات الاستثمار المستقبلية. ومن خلال اعتماد استراتيجية الاستدامة، والتي تعتبر، بحكم تعريفها، شاملة وطويلة الأجل، ستكون الشركات قادرةً على التكيف وإعادة التنظيم وإيجاد سبل جديدة لتحقيق النمو ومواصلة الازدهار بشكل أفضل.